موضوع: أبرز مظاهر عظمة الرسول الاعظم------البلاغة الخميس ديسمبر 09, 2010 3:10 am
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد : فتعد بلاغةالنبي صلى الله عليه وسلم من أبرز مظاهر عظمته ، وأجلى دلائل نبوته ، فهوعليه الصلاة والسلام صاحب اللسان المبين والمنطق المستقيم ، والحكمةالبالغة والكلمة الصادقة ، والمعجزة الخالدة .وقد زكى الله تعالى نطقهفقال عز وجل : " وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى . إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌيُوحَى "(النجم3-4) وقال سبحانه :" نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ . عَلَىقَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ . بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ "(الشعراء193-195) .
وقال صلى الله عليه وسلم عن نفسه :"وأوتيتجوامع الكلم " ،كما قال :"أنا أفصح العرب بيد أني من قريش واسترضعت في بنيسعد" ولم يكن هذا افتخارا منه صلى الله عليه وسلم ، وإنما كان تقريرالحقيقة ثابتة ، وكيف لايكون أفصح العرب وهو خاتم النبيين وسيد المرسلين ،وعلى قلبه نزل القرآن العظيم ، وقد رباه رب العالمين ،ونشأ وترعرع بين عربفصحاء معربين .
وقد تبارى العلماء والبلغاء في وصف فصاحته وبلاغتهصلى الله عليه وسلم ومن أفضل ما قيل في ذلك ما سجله يراع الجاحظ رائدالبلاغة العربية وأستاذها؛ إذ يقول في كتابه البيان والتبيين :"وأنا ذاكرٌبعد هذا فَنّاً آخرَ من كلامه صلى الله عليه وسلم ، وهو الكلام الذي قلّعدد حروفه وكثر عدد معانيه، وجَلَّ عن الصَّنعة، ونُزِّه عن التكلف، وكانكما قال اللّه تبارك وتعالى: قل يا محمد: " وما أنا مِنَ المتَكلِّفين "ص:68، فكيف وقد عابَ التشديق، وجانب أصحاب التعقيب، واستعمل المبسوطَ فيموضع البسط، والمقصورَ في موضع القصر، وهَجَر الغريبَ الوحشيَّ، ورغِبَ عنالهجين السُّوقيّ، فلم ينطِقْ إلا عن مِيراثِ حكمَةٍ، ولم يتكلَّم إلابكلامٍ قد حُفَّ بالعصمة، وشُيِّد بالتأييد، ويُسِّرَ بالتوفيق، وهوالكلامُ الذي ألقَى اللّه عليه المحبّةَ، وغشَّاهُ بالقَبول، وجمع له بينالمهابة والحلاوة، وبَيْن حُسنِ الإفهام، وقلّة عدد الكلام، مع استغنائهعن إعادته، وقِلّةِ حاجة السامع إلى معاوَدته، لم تسقط له كلمة، ولا زَلّتبه قَدَم، ولا بارَتْ له حجَّة، ولم يَقُم له خَصم، ولا أفحمه خطيب، بليبذُّ الخُطَبَ الطِّوال بالكلِم القِصار ولا يَلتمِس إسكاتَ الخصم إلابما يعرفه الخصم، ولا يحتجُّ إلا بالصِّدق ، ولا يطلب الفَلْج إلا بالحق،ولا يستعين بالخِلابة، ولا يستعمل الموارَبة، ولا يهمِز ولا يَلْمِز، ولايُبْطِيءُ ولا يَعْجَل، ولا يُسْهِب ولا يَحْصَر، ثم لم يَسْمع الناسُبكلامٍ قَطّ أعمَّ نفعاً، ولا أقصَدَ لفظاً، ولا أعدلَ وزناً، ولا أجملَمذهباً، ولا أكرَم مطلباً، ولا أحسنَ موقعاً، ولا أسهل مخرجاً، ولا أفصحمعنًى، ولا أبين في فحوَى، من كلامه صلى الله عليه وسلم كثيراً.
وقال القاضي عياض : " وأما فصاحة اللسان وبلاغةالقول فقد كان صلى الله عليه وسلم من ذلك بالمحل الأفضل ،والموضع الذى لايجهل سلاسة طبع ،وبراعة منزع، وإيجاز مقطع، ونصاعة لفظ، وجزالة قول، وصحةمعان، وقلة تكلف .أوتى جوامع الكلم ،وخص ببدائع الحكم، وعلم ألسنة العرب،فكان يخاطب كل أمة منها بلسانها، ويحاورها بلغتها، ويباريها في منزعبلاغتها، حتى كان كثير من أصحابه يسألونه في غير موطن عن شرح كلامه وتفسيرقوله.
نماذج من بلاغته صلى الله عليه وسلم: وأماكلامه المعتاد وفصاحته المعلومة وجوامع كلمه وحكمه المأثورة فقد ألف الناسفيها الدواوين ،وجمعت في ألفاظها ومعانيها الكتب، ومنها مالا يوازى فصاحةولا يبارى بلاغة كقوله: المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهميد على من سواهم) * وقوله :الناس كأسنان المشط ،والمرء مع من أحب ، ولاخير في صحبة من لا يرى لك ما ترى له ،والناس معادن ، وما هلك امرؤ عرفقدره ، والمستشار مؤتمن وهو بالخيار ما لم يتكلم ورحم الله عبدا قال خيرافغنم أو سكت فسلم) * وقوله: أسلم تسلم ، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين، وإنأحبكم إلى وأقربكم منى مجالس يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا الموطؤن أكنافاالذين يألفون ويؤلفون. وقوله: "لعله كان يتكلم بمالا يعنيه ويبخل بما لايغنيه" وقوله :"ذو الوجهين لا يكون عند الله وجيها" .
ومن الكلمات التي لم يسبق إليها النبي صلى الله عليه وسلم: قوله:حمى الوطيس، ومات حتف أنفه، لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين ، والسعيد من وعظبغيره ، أفضل الصدقة جهد المقل ، حبك للشيء يعمي ويصم ، اليد العليا خيرمن اليد السفلى " كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل . إلى غير ذلكممايدرك الناظر العجب في مضمونها ،ويذهب به الفكر في أداني حكمها .وقد قالله أصحابه ما رأينا الذى هو أفصح منك فقال، وما يمنعنى وإنما أنزل القرآنبلساني لسان عربي مبين وقال مرة أخرى:" أنا أفصح العرب بيد أنى من قريشونشأت في بنى سعد". لقد جمع الله له بذلك بين قوة عارضة الباديةوجزالتها ونصاعة ألفاظ الحاضرة ورونق كلامها إلى التأييد الإلهى الذى مددهالوحى الذى لا يحيط بعلمه بشرى.وقالت أم معبد في وصفها له حلو المنطق فصللا نزر ولا هذر كأن منطقة خرزات نظمن.
من خصائص البيان النبوي : وقدذكر أديب العربية الأكبر في القرن العشرين الأستاذ مصطفى صادق الرافعي أنالبيان النبوي انفرد عن غيره بأسباب طبيعية فيه فهو من جهة اللغة مسدداللفظ ، محكم الوضع جزل التركيب ، متناسب الأجزاء في تأليف الكلمات ، فخمالجملة ، واضح الصلة بين اللفظ ومعناه ...ثم لا ترى فيه حرفًا مضطربًا ،ولا لفظة مستدعاة لمعناها ومستكرهة عليه ، ولا كلمة غيرها أتم منها . وهومن جهة البيان تراه حسن المغزى بين الجملة ، واضح التفصيل ، ظاهر الحدود ،جيد الوصف ، متمكن المعنى ، واسع الحيلة في تصريفه ، بديع الإشارة ، غريباللمحة ، ناصع البيان ثم لا ترى فيه إحالة ولا استكراهًا ، ولا ترىاضطرابا ولاخطلا ولا استعانة من عجز ولا توسعًا من ضيق ولا ضعفا في وجه منالوجوه .أضف إلى هذا سمو المعنى وفصل الخطاب والتصرف في كل طبقات الكلام ،ليجتمع من هذا وما إليه نسق في البلاغة يجمع الخالص من سر اللغة ومنالبيان ومن الحكمة . وبعد ، فإن الكلام عن بلاغة الرسول حديث يطول ، وفي الإشارة ما يغني عن العبارة .